الثلاثاء، 2 يوليو 2013

نهاية الدهيماء








نهاية الدهيماء
(الفصل الأخيـر)

المقدمـة
بسم الله، والحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وآله وصحبه ومن والاه، وبعد:
مدار موضوعنا، منطلقاً ومرتكزاً، حول حديث النبي صلى الله عليه وسلم، الذي يذكر فيه أكبر أربع فتن، ستتعرض لها الأمة الإسلامية عبر تاريخها، وهي: الأحلاس، والسراء، والدهيماء، والدجال.
وسبب تسمية هذا البحث "نهاية الدهيماء" هو اعتقادي أننا نعيش هذه الأيام الفصل الأخير من فتنة الدهيماء.
إنّ كلّ ما يصادفنا في حياتنا اليومية، أفراداً ومجتمعاتٍ، إنما هي فتن وابتلاءات، وهي جزء من الفتنة الكبرى، التي هي وجودنا في هذه الحياة الدنيا، { خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً }[1]؛ والفتن بحد ذاتها ليست خيراً ولا شراً، إنما يقاس ذلك بنتائجها، { وَنَبْلُوكُم بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً وَإِلَيْنَا تُرْجَعُونَ }[2]، وطريقة التعامل معها، { وَجَعَلْنَا بَعْضَكُمْ لِبَعْضٍ فِتْنَةً أَتَصْبِرُونَ }[3]؛ ومع ذلك نجد أحاديث كثيرة ورد فيها ذكر أنواع محددة من الفتن دوناً عن غيرها، وما ذلك إلا إشارة إلى خطورتها على الإسلام والمسلمين، ووجوب الاحتراز منها، أو لأهميتها وعِظَم أثرها في التحولات التي ستطرأ على الأمة.
والفتنة عموماً كالنار في الحطب، تمر بثلاث مراحل:
1.      الدخن: وهي الأسباب والمقدمات، التي تتنامى وتتكاثر تدريجياً؛ وتكون بطيئة وطويلة نسبياً؛ لذلك تخفى على الكثيرين[4].
2.     الظهور: وذلك عند تحول الدخان إلى نار متأججة، تحرق وتأكل كل ما تصل إليه، إلا ما رحم ربي.
3.     الأفول: عندما لا يبقى شيء، حينها تأكل النار بعضها البعض، حتى تتخامد وتنطفئ، فلا يبقى إلا رمادُ ما أحرقته.
نص الحديث:
حدثنا يحيى بن عثمان بن سعيد الحمصيّ، ثنا أبو المغيرة، قال: حدثني عبد اللّه بن سالم، قال: حدثني العلاء بن عتبة، عن عمير بن هانئ العنسي، قال: سمعت عبد اللّه بن عمر يقول: كنا قعوداً عند رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم، فذكر الفتن، فأكثر في ذكرها، حتى ذكر فتنة الأحْلاس، فقال قائل: يا رسول اللّه، وما فتنة الأحْلاس؟ قال: "هي هَرَبٌ وحَرَبٌ، ثم فتنة السرّاء، دَخَنُها من تحت قدمَيْ رَجُلٍ من أهل بيتي، يزعم أنه مِنّي وليس مِنّي، وإنّما أوليائيَ المتقون، ثم يصطلح الناس على رَجُلٍ كوَرِكٍ على ضِلَعٍ، ثم فتنة الدُّهَيْماء، لا تدع أحداً من هذه الأمة إلا لطمته لطمةً، فإذا قيل انقضتْ تمادتْ، يصبح الرجل فيها مؤمناً، ويمسي كافراً، حتى يصير الناس إلى فسطاطين: فسطاط إيمانٍ لا نفاق فيه، وفسطاط نفاقٍ لا إيمان فيه، فإذا كان ذاكُمْ فانتظروا الدَّجَّال من يومه أو من غده".
رواه أبو داود وأحمد، وصححه الحاكم، وأقره الذهبي، وصححه الألباني. وعند الحاكم لفظ الدهماء بدل الدهيماء.
مفردات الحديث:
إذا راجعت معاجم اللغة فستجد لكل كلمة من الكلمات المحورية في الحديث معانٍ عدة، متقاربة وربما متباينة، لكنها جميعاً صحيحة ومستخدمة لدى العرب؛ وقد اتفق أن وجدت لهذه الكلمات معانٍ تخدم فهمي للحديث، وهي هنا منقولة عن معجم لسان العرب[5]:
@ الحِلْسُ والحَلَسُ: والجمع أَحْلاس وحُلُوسٌ.
فلان من أَحْلاسِ الخيلِ أَي هو في الفُروسية ولزوم ظهر الخيل كالحِلْسِ اللازم لظهر الفرس.
حِلْسُ البيت: ما يُبْسَطُ تحت حُرِّ المتاع من مِسْحٍ ونحوه، يقال لِبِساطِ البيت الحِلْسُ.
وفلانٌ حِلْسُ بيته إِذا لم يَبْرَحْه، ويقال فلان من أَحْلاس البلاد للذي لا يُزايلها.
وفي حديث الفتن: عدَّ منها فتنة الأَحْلاس، وهو الكساء الذي على ظهر البعير تحت القَتَب، شبهها بها للزومها ودوامها.
@ الـهَرَبُ: الفِرارُ. هَرَبَ يَهْرُبُ هَرَباً: فَرَّ، يَكونُ ذلك للإِنسان، وغيره من أَنواع الحيوان.
وأَهْرَبَ: جَدَّ في الذَّهابِ مَذْعُوراً أَو غيرَ مَذْعور. وأَهْرَبَ الرجلُ إِذا أَبْعَدَ في الأَرض؛ وأَهْرَبَ فلانٌ فلاناً إِذا اضْطَرَّه إِلى الـهَرَبِ.
@ الـحَرَبُ: أَن يُسْلَبَ الرجل ماله. حَرَبَه يَحْرُبه إِذا أَخذ ماله، فهو مَحْرُوبٌ وحَرِيبٌ.
وأَحْرَبَه: دلَّه على ما يَحْرُبُه، أَي دلَّه على ما يَغْنَمُه مِن عَدُوٍّ يُغِيرُ عليه.
@ السَّرَّاءُ: الكثِيرُ السُّرَى بالليلِ. وفي التنـزيل العزيز: سبحانَ الذي أَسْرَى بعَبْدهِ ليلاً.
والسُّرَى: سَيرُ الليلِ، فلا يكون إِلا ليلاً. ومنه قول خالد بن الوليد: عِنْدَ الصَّباحِ يَحْمَدُ القَومُ السُّرَى.
@ الوَرِكُ: ما فوق الفَخذِ كالكتف فوق العضد.
وفي الحديث: ثم يصطلح الناس على رجل كوَرِكٍ على ضِلَع، أَي يصطلحون على أَمر واهٍ لا نظام له ولا استقامة، لأَن الوَرِكَ لا يستقيم على الضلع، ولا يتركب عليه لاختلاف ما بينهما وبُعده.
@ الضِّلَعُ والضِّلْعُ: مَحْنِيّة الجنب، والجمع أَضْلُعٌ وأَضالِعُ وأَضْلاعٌ وضُلوعٌ.
ودابّةٌ مُضْلِعٌ: لا تَقْوَى أَضْلاعُها على الحَمْلِ. وحِمْلٌ مُضْلِعٌ: مُثْقِلٌ للأَضْلاعِ.
@ الدَّهْمُ: الجماعة الكثيرة. وقد دَهَمُونا أي جاؤونا بمرةٍ جماعة.
والدَّهْماء: الجماعة من الناس. ودَهْماءُ الناس: جماعتهم وكثرتهم. والدُّهَيْماءُ، تصغير الدَّهْماء.
وبعض الناس يذهب بالدُّهَيْماء إلى الدُّهَيْمِ وهي الداهية أي الأَمرُ المُنْكَر العظيم، وضربت العرب الدُّهَيْمَ مثلاً في الشر والداهية.
وفي الحديث: ثم فتنة الدُّهَيْماءِ؛ قال أبو عبيدة: نراه أَراد الدَّهْماء فصَغَّرها، قال شمر: والتصغير فيها للتعظيم.
ما يفهم بدايةً من نص الحديث ولغته:
-        ذكر الحديث الترتيب الزمني للفتن الأربع هكذا: الأحلاس، ثم السراء، ثم الدهيماء، فالدجال؛ واستخدام حرف العطف "ثم" يفيد التراخي في الزمن كما هو معلوم، بينما يفيد حرف الفاء التعقيب بلا مهلة، وهذا يعني أن الفتن الثلاث الأولى سيكون بينها فترات زمنية واضحة، أما فتنة الدجال فستكون عقب فتنة الدهيماء مباشرة، من اليوم أو الغد. لكن لنقرر مسألة، وهي أن الترتيب لا يعني بالضرورة الانقطاع والفصل، فقد تبدأ إحداها وتستمر وأثناء ذلك تبدأ التالية، وهكذا، فتكون هذه الفتن أو بعضها متراكبة بشكل أو بآخر. إذاً فالمؤكد أن الترتيب هنا لبدايات الفتن، أما نهاياتها فيمكن استنتاجها إذا عرفنا حقيقة هذه الفتن.
-        الفتن الأربع، في هذا الحديث، تشير إلى تحولات كبرى ستطرأ على العالم الإسلامي عبر تاريخه، من حيث الـمُلك، أو بشكل أدق، من حيث الهيمنة والنفوذ السلطوي، المتحكِّم بمعظم العالم الإسلامي، إن لم يكن كله. فعند ظهور كل من هذه الفتن سيتم انتقال النفوذ من فئة إلى أخرى، ثم يحدث نفس الشيء عقب أفولها. والحديث يشير إلى تحولات الملك والنفوذ تلك بقوله:
o       "من تحت قَدَمَيْ رَجُل": يستطيع أي رجل أن يخلق فتنة، لكنه لا يستطيع نشرها وتعميمها إلا بسلطان أو نفوذ.
o       "ثم يصطلح": حرف العطف "ثم" يدل على أن الأمة ستكون لفترة من الزمن بلا حاكم عامّ أو خليفة.
o       "يصطلح الناس": أي هم الذين يتوافقون على هذا الرجل حاكماً عاماً لهم، وليس هو من يفرض نفسه عليهم.
o       "على رجل": يتوافقون عليه لصفة فيه تجعله الأنسب لملء حالة الفراغ تلك.
o       "الدجّال": إذا ظهر الدجال، ألن يكون صاحب السلطة العليا المهيمنة على العالم كله؟
-        إن التحولات الكبرى لا بد لها من أحداث جسام، تكون هي نقاط التحول والانعطاف، وتكون هي ركائز الفتن المذكورة.
الخلاصة قبل التفصيل:
بناءً على هذا الفهم رحت أقلب صفحات التاريخ، من مصادره المتاحة لدي، بحثاً عن أحداث تنطبق عليها إشارات الحديث، بمعانيها اللغوية المذكورة، وعن أقوام وأشخاص يكونون بصفاتهم وسيرهم الذاتية، لبناتُ البناء العام للفهم المقترح للحديث. فوجدت أن الأحداث التي يمكن أن تكون الأكثر تأثيراً في تاريخ العالم الإسلامي هي:
·        الغزو التركي: وهو المشار إليه بفتنة الأحلاس.
·        الغزو المغولي: وهو المشار إليه بفتنة السرّاء.
·        الغزو الأجنبي: وهو المشار إليه بفتنة الدهيماء.
·        الغزو الدجالي: وهو فتنة الدجال.
أما الأقوام والأشخاص المعنيين بهذه الأحداث فهم:
·        العرب وخصوصاً القرشيين، الأتراك على اختلاف قبائلهم وفروعهم، المغول والتتار، الأوربيون والروس.
·        "رجل من أهل بيتي": إشارة إلى الخليفة العباسي الناصر لدين الله أبي العباس أحمد بن المستضيء بأمر الله.
·        "رجل كورك على ضلع": إشارة إلى الخليفة العباسي المستنصر بالله أبي القاسم أحمد بن الظاهر بأمر الله.
ولسائل أن يسأل: لقد تعرضت الأمة الإسلامية عبر تاريخها لمخاطر وتهديدات كثيرة، داخلية وخارجية، من أبرزها الحروب الصليبية، التي استمرت مائتي عام، وسقوط الأندلس، فلماذا تجاهلت كل ذلك وحصرت اهتمامك بهذه الأحداث الأربعة؟
والجواب: أن جميع التهديدات التي أشرتَ إليها، بما فيها الحروب الصليبية، فشلت في إحداث تغييرٍ جذريٍّ في العالم الإسلامي؛ نحو الأسوأ، وانحصرت تأثيراتها، البسيطة نسبياً، في الأطراف والفروع. فالأندلس مثلاً، على أهميتها، لم تكن مركز العالم الإسلامي، وما جرى فيها انحصر تأثيره في حدودها المعروفة تقريباً. أما الحروب الصليبية فإليك ما يقوله الدكتور محمود عمران[6] عن نتائجها: "فشلت فشلاً ذريعاً، فقد تمكنت القيادة الإسلامية من استرداد الأراضي، وتمكن المماليك من تطهير الشام من الصليبين"[7]. بل إن الحروب الصليبية كان لها آثار إيجابية، من مثل: توحيد المسلمين في مصر والشام، وتطور الفن والعمارة الإسلامية والازدهار التجاري فيهما، وسقوط الإمبراطورية البيزنطية تحت السيادة العثمانية عام 1453م.
بالنسبة لفتنة الدجال فقد سميتها "الغزو الدجّالي" - إن صح التعبير - لأن الدجال حين يظهر، سيدخل مع أتباعه ( أي سيحتل ) كل البلدان عدا مكة والمدينة، كما أخبر الحديث: ".. وإنه لا يبقى شيء من الأرض إلا وطئه وظهر عليه، إلا مكة والمدينة، لا يأتيهما من نقب من نقابهما إلا لقيته الملائكة بالسيوف.."[8]، وحينها سيتغير وجه العالم كله، وليس الإسلامي فقط.
طبعاً هذا تصوري الشخصي ولا ألزم به أحداً، لكنني سأقدم في ما يلي أدلة وقرائن تثبته، وإليك التفاصيل:
الـغـزو الـتـركـي
بالطبع ليس المقصود هنا الغزو العسكري، إنما المقصود هو العلو التدريجي للعنصر التركي في العالم الإسلامي، حتى غدو قادة المسلمين في العالم، سلطة ونفوذاً. ونحن لا نذكر ذلك مذمّة أو جحوداً، بل لأننا بصدد رصد حركة الخلافة الإسلامية العامة، أي الدولة الشاملة، التي يفترض أن ينضوي تحت حكمها جميع المسلمين، باعتبارهم أمة واحدة، دستورها كتاب الله وسنة رسوله، وتحقيقها وصون وحدتها واجب شرعي، لأن فيها عزة المسلمين ومنعتهم، { وَأَطِيعُواْ اللّهَ وَرَسُولَهُ وَلاَ تَنَازَعُواْ فَتَفْشَلُواْ وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ }[9]، ولذلك كان سعي أعداء الإسلام دوماً نحو تشتيت المسلمين وتمزيق دولتهم، والقضاء على أية خلافةٍ  يمكن أن توحد كلمتهم.
لقد منّ الله على العرب عموماً وقريش خصوصاً، حين جعل فيهم الرسالة والنبوّة[10]، وحمّلهم أمانة تبليغ الإسلام إلى كافة الشعوب،  فمكّن لهم في الأرض، وجعلهم أئمة وخلفاء، وقد استمروا هكذا من زمن النبوّة، حتى أواخر العهد العبّاسيّ، حيث استشرى فيهم الفساد، وحب الدنيا، والبعد عن الدين، حينها سُحب البساط من تحتهم، تطبيقاً لسنن الله في الأمم: { فَلَمَّا نَسُواْ مَا ذُكِّرُواْ بِهِ فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ أَبْوَابَ كُلِّ شَيْءٍ حَتَّى إِذَا فَرِحُواْ بِمَا أُوتُواْ أَخَذْنَاهُم بَغْتَةً فَإِذَا هُم مُّبْلِسُونَ }[11]، وتصديقاً لحديث النبي صلى الله عليه وسلم: ".. إن هذا الأمر في قريش، لا يعاديهم أحد إلا كبَّه الله في النار على وجهه، ما أقاموا الدين .."[12].  فمن كان البديل؟
إنهم الأتراك، الذين استخلفهم الله، ومكّن لهم، على ضعفهم آنذاك، لأنهم ورغم طمعهم في الملك فيما بعد، كانوا صادقين في جهادهم لنصرة دين الله، وإعلاء راية الإسلام في كل مكان وصلوا إليه، وهذا أيضاً إنفاذٌ لسنن الله في الأمم: { وَنُرِيدُ أَن نَّمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوَارِثِينَ }[13].
لقد ورث الأتراك العباسيين، فلم يبقى بلد أو إقليم من الدولة العباسية، إلا ووصل إليه سلطانهم ونفوذهم في مرحلة من مراحل التاريخ اللاحقة؛ إلا ما ندر، وقد قاموا باستلاب العباسيين ملكهم بطرقتين:
أ‌.        التسلل إلى مواقع النفوذ واتخاذ القرار في الدولة العباسية[14]، كولاةٍ ووزراء وقادة عسكريين..، حتى صار الخلفاء مجرد صورة رمزية، بلا مضمون، "فكان الخليفة في أيديهم كالأسير، إن شاؤوا أبقوه، وإن شاؤوا خلعوه، وإن شاؤوا قتلوه".
ب‌.   إقامة دول مستقلة في أطراف الدولة العباسية، مثل الغزنوية والغورية والسلاجقة والخوارزمية..، وقد توسعت هذه الدول حتى لم يبقَ للخلافة العباسية قبيل سقوطها غير العراق أو بعضه.
والواقع أن كل الدول التي عاصرت أواخر الخلافة العباسية والدول المتتابعة بعدها حتى نهاية الخلافة العثمانية قامت معتمدة بشكل كليّ أو جزئي على الأتراك.
من هم الأتراك؟
الأتراك في أصولهم قبائل وعشائر بدوية، كانت تستوطن أواسط آسيا، في المناطق الممتدة من منغوليا شرقاً، إلى شمال البحر الأسود غرباً، ومن سهول سيبيريا شمالاً، إلى غرب الهند جنوباً. ويرجع نسبهم إلى ترك بن يافث بن نوح عليه السلام، الذي تفرع منه عشرون قبيلة، تميزت منهم قبيلة الأوغوز[15] (الأتراك الغزية)، الذين دخلوا في الإسلام جميعاً[16]، ومنهم الغزنويون والغوريون والأوزبك والسلاجقة والخوارزمية والهياطلة والعثمانيون ومعظم المماليك[17].
لقد فرضت طبيعة الأرض والطقس، في تلك البلاد، على الأتراك "صفاتهم البدوية، خشونةً في الطبع، وبداوة في الحياة، وقوة في البدن، ومراناً على الفروسية والقتال، فكانوا أمة بربرية محاربة شديدة البأس"[18].
أسباب دخول الأتراك إلى بلاد الإسلام:
1.     هرباً من الجدب الشديد مع كثرة النسل، فهاجروا بحثاً عن الكلأ والمراعي والعيش الرغيد.
2.     هرباً من مضايقات القبائل الأخرى، ومن أجواء الحروب التي كانت سائدة في مناطقهم، فهاجروا بحثاً عن الأمن والاستقرار.
3.     هرباً من المغول الذين غزوا بلادهم، وسلبوهم أملاكهم، ونكلوا فيهم سبياً وتقتيلاً، وباعوهم عبيداً أرقّـاء، هم المماليك[19].
4.     شراءهم[20] كمماليك من قبل الخلفاء والولاة والوزراء وكبار القادة، ليكونوا فرقاً عسكرية خاصة، لحمايتهم وحفظ مصالحهم.
5.     شراءهم كمماليك من قبل السلاطين المملوكية فيما بعد، الذين أكثروا من شرائهم صغاراً، وربّوهم وعلموهم ودربوهم، ليكونوا في عداد النخبة من جندهم، وقادةً لجيوشهم.
6.     إهداءهم كمماليك للخليفة وحاشيته، من قبل ولاة أقاليم ما وراء النهر (نهر جيحون).
الأتراك هم الأحلاس:
بعد التعرف على الأتراك - أصولهم وصفاتهم وسيرتهم قبل وبعد الإسلام - أعتقد أنه باتاً واضحاً سبب اعتبارهم المقصودين بكلمة الأحلاس، ويمكن تلخيص ذلك بعد مراجعة معاني الكلمات: حِلْس، هَرَب، حَرَب، بالنقاط التالية:
·     أحْلاس الخيل: كناية عن الفُروسية ولزوم ظهر الخيل. وهم أهل فروسية حقاً، ولم يتركوا القتال في كل مراحل تاريخهم.
·     أحْلاس البلاد: كناية للذي لا يُزايلها. وهم دخلوا بلاد الإسلام ولم يزايلوها يوماً بإرادتهم.
·     حلس البيت: بساطه. وهم كانوا دوماً الأرضية والأساس الذي قامت عليه جميع الدول التي احتضنتهم.
·     شبهها بها للزومها ودوامها: وهم مازالوا ذوي حضور وتأثير في العالم الإسلامي، منذ بدؤوا إلى اليوم، وربما حتى النهاية.
·     الـهَرَبُ: الفِرارُ. وقد رأينا أنهم هربوا من بلادهم، جماعات وفرادى، مصطحبين معهم غالباً متاعهم ودوابهم ومواشيهم.
·     أَهْرَبَ: جَدَّ في الذَّهابِ مَذْعُوراً أَو غيرَ مَذْعور. وقد كان خروجهم من مناطقهم على كلا الصفتين.
·     أَهْرَبَ: أَبْعَدَ في الأَرض. أليس شمال أفريقية مثلاً بعيداً بما يكفي عن مواطنهم الأصلية؟
·     أَهْرَبَه: اضْطَرَّه إِلى الـهَرَبِ. ألم يضطرهم المغول، بالإضافة إلى ظروفهم المعيشية، إلى الهرب؟
·     الـحَرَبُ: أَن يُسْلَبَ الرجل ماله. ألم يسلبهم المغول أملاكهم وحريتهم؟ وهم بدورهم ألم يسلبوا العباسيين ملكهم ونفوذهم؟
·     أَحْرَبَه: دلَّه على ما يَغْنَمُه. إن تاريخهم مليء بالتحريض وإغراء بعضهم ببعض، بغية توسيع النفوذ، والقضاء على المنافسين.
الـغـزو المـغـولـي
يقال: "لم يعرف التاريخ فاتحاً خيراً من الإسلام"؛ وبالمقابل نقول: "لم يعرف التاريخ غازياً شراً من المغول"، وخصوصاً على المسلمين.
لن أخوض هنا في تفاصيل تاريخ المغول[21] وأصولهم، ولا مجريات الغزو المغولي؛ ففي كتب التاريخ غنية لمن أراد أن يستفيض أو يستزيد؛ والقصد الاختصار، لذلك سأكتفي بعرض ما يخدم البحث وما لا بد منه.
الشرارة الأولى:
"كان لجنكيز خان حدوداً مشتركة مع أراضي الخوارزمشاهات المسلمين. وهناك كانت له مع الشاهات اتصالات سياسية دبلوماسية"[22]، وقد حافظ على هذه العلاقات الودّية؛ رغم تشوّفه إلى غزو بلاد المسلمين، بانتظار الفرصة المناسبة، فكانت "واقعة أوترار 615هـ هي التي عجلت بغزو المغول للعالم الإسلامي، وتتلخص هذه الواقعة في أن الوالي الخوارزمي في أوترار قام بقتل رسل جنكيز خان إلى الخوارزمشاه، كما ذبح قافلة بكاملها من التجار الذين كانوا برفقة الرسل"[23]، فغضب جنكيز خان، وشن أولى حملاته على الخوارزميين متذرعاً بهذه الحادثة، مبتدئاً من بلاد ما وراء النهر سنة 616هـ[24].
فداحة الخطب:
تتابعت حملات المغول على البلاد، في عهد جنكيز خان ومَن بعده، واتسعت إمبراطوريتهم، حتى شملت في أوج اتساعها[25] مساحات  ممتدة من الجزر اليابانية شرقاً إلى قلب أوربا غرباً، ومن حدود سيبريا وبحر البلطيق شمالاً إلى بلاد الشام جنوباً. وبعِظَم هذه المساحات، وربما أعظم، كانت فداحة الثمن؛ وخصوصاً على المسلمين، حتى أن المؤرخين عجزوا عن وصف ما جرى وما ترتب عليه. واقرأ إن شئت قول ابن الأثير[26] في ذلك، فهو قد عاصر تلك الأحداث، وليس من رأى كمن سمع:
"لقد بقيت عدة سنين معرضاً عن ذكر هذه الحادثة استعظاماً لها، كارهاً لذكرها، فأنا أقدِّم إليه رجلاً وأؤخر أخرى، فمَن الذي يسهل عليه أن يكتب نعي الإسلام والمسلمين؟ ومن الذي يهون عليه ذكر ذلك؟ فيا ليت أمي لم تلدني، ويا ليتني متُّ قبل هذا وكنت نسياً منسياً، ....،  هذا ذكر الحادثة العظمى، والمصيبة الكبرى التي عقمت الأيام والليالي عن مثلها، عمّت الخلائق، وخصّت المسلمين، فلو قال قائل: إن العالم منذ خلق الله آدم إلى الآن لم يُبتلوا بمثلها لكان صادقاً؛ فإن التواريخ لم تتضمن ما يقاربها ولا ما يدانيها. ومن أعظم ما يذكرون من الحوادث ما فعله بختنصر ببني إسرائيل من القتل، وتخريب البيت المقدس، وما البيت المقدس بالنسبة إلى ما خرّب هؤلاء الملاعين من البلاد التي كل مدينة منها أضعاف البيت المقدس؟!! وما بنو إسرائيل إلى من قتلوا ؟! فإن أهل مدينة واحدة ممن قتلوا أكثر من بني إسرائيل، ولعل الخلق لا يرون مثل هذه الحادثة إلى أن ينقرض العالم وتفنى الدنيا، إلا يأجوج ومأجوج، وأما الدجال، فإنه يُبقي على من اتبعه ويُهلك من خالفه، وهؤلاء لم يبقوا على أحد، بل قتلوا النساء والرجال والأطفال، وشقوا بطون الحوامل، وقتلوا الأجنة".
غيض من فيض:
وها أنا أسرد لك طرفاً من الفظائع التي ارتكبها هؤلاء الغزاة في بلاد المسلمين، والتي لم تزل ذيولها وآثارها الكارثية باقية إلى اليوم؛ "فكم من المدن الزاهرة اندثرت في ليلة واحدة، ولم يبق لها من الأثر سوى الخرائب، والتلال التي أقامتها جثث الضحايا":
1.     القتل وسفك الدماء: كانت أعداد القتلى تفوق الحصر، ففي بغداد وحدها مثلاً: "قُدّر من قتل من أهلها ومن حولهم بمليوني قتيل"[27]؛ دون تمييزٍ بين رجل وامرأة، أو صغير وكبير، أو "مدني ومحارب!! إبادة جماعية رهيبة، وطبائع دموية لا تصل إليها أشد الحيوانات شراسة"[28]؛ "وكأن قصدهم إفناء النوع، وإبادة العالم، لا قصد الملك والمال"[29]. ناهيك عن ذكر الوحشية في أساليب القتل والتنكيل، والتمثيل بالجثث؛ بقصد بث الرعب في قلوب الناس وضمان استسلامهم دون مقاومة.
2.     هتك الأعراض: لقد شنّعوا بفعل الفواحش مع نساء المسلمين وبناتهم؛ حتى في حضرة أهليهنّ.
3.     سبي النساء، واسترقاق الأطفال، وأسر الرجال: بهدف بيعهم، أو تشغيلهم كخدم، أو لزج الشبان الأقوياء منهم في الأعمال الشاقة، أو في الصفوف الأولى من جيوشهم كمقاتلين، وكدروع بشرية، ولتكثير الجيش في أعين أعدائهم.
4.     سلب النفائس: من كنوز وذهب ومجوهرات وحرير وكل ما غلى ثمنه فإن لم يقدروا على حمله أتلفوه حتى لا ينتفع به أحد بعدهم.
5.     سلب الغلال والمحاصيل الزراعية: أو إحراقها لحرمان أصحابها منها.
6.     تدمير العمران: من بيوت وقصور وقلاع ومساجد ومستشفيات ومكتبات .. جميعها سويت بالأرض حتى باتت أثراً بعد عين.
7.     تدمير البنى التحتية: من طرق وحدائق وأماكن عامة وأسوار وسدود وأنهار ونواظم للإسقاء وقنوات للري[30] ..
8.     تدمير الإرث العلمي والثقافي للأمة: المتمثل بأمهات الكتب التي أتلفوها[31] والعلماء الذين قتلوهم، مما أعادنا مئات السنين إلى الوراء.
9.     تدمير الإرث الحضاري: من صناعة وزراعة وعمران، بقتل العاملين في هذه المجالات، أو ترحيل المهرة منهم ليخدموا في بلاد الغزاة.
10.  القضاء على الخلافة العامة في الأمة ممثلة آنذاك بآخر الخلفاء العباسيين في بغداد المستعصم بالله الذي قتل مع أبنائه سنة 656هـ[32].
11.  تدمير بغداد عاصمة الخلافة، ومنارة العلم والمعرفة، وأفضل المراكز الفكرية بالعالم آنئذٍ؛ وبسقوطها ذبل النشاط الفكري والثقافي.
12.  كان سقوط بغداد سبباً في تمدد الشيعة وانتشار مذهبهم.
13.  دعْمُ المسيحيين من السكان المحليين: إذ لم يتعرض لهم المغول، بل قوّوا موقفهم ونفوذهم[33]، لذلك كان السقوط سبب فرح لهم.
14.  استغلال انشغال المسلمين برد العدوان الصليـبي على البلاد؛ بل إن مغول فارس تحالفوا مع الصليبين ضد المسلمين.
15.  كان انتصار تيمورلنك على السلطان العثماني بايزيد سبباً في إبطاء تقدم وتطور العثمانيين مائة سنة.

مختصر حال الأمة بعد سقوط بغداد:
-        اختبأ الناجون من الذبح من الأسرة العباسية، وبعضهم كان معتقلاً في سجون الخليفة.
-        بعد بغداد زحف المغول غرباً فغزوا حلب ودمشق، ثم توجهوا نحو مصر عبر فلسطين، فتصدى لهم المماليك بقيادة قطز وهزموهم في عين جالوت 658هـ، فانسحبوا إلى شرق الفرات، الذي شكل الحد الفاصل بينهم وبين المسلمين.
-         عاد المغول مرة أخرى فاستولوا على حلب ودمشق، ووصلوا إلى غزة والخليل والسلط وبعلبك وبانياس، برفقة ملك أنطاكيا وأمير طرابلس الصليبيين، فتصدى لهم هذه المرة الأيوبيون في حمص وحماه 660هـ، وطردوهم إلى شرق الفرات.
-        حكم المماليك مصر والشام وغرب الجزيرة العربية.
-        في الجزيرة العربية أيضاً كان آل نبهان، وبنو رسول، وقبائل عربية في نجد.
-        في بلاد المغرب وأفريقيا كان الحفصيون والموحدون وبنو زيان.
-        في غرناطة حكم بنو نصر.
يلاحظ من هذا الوصف أن الأمة افتقدت في تلك الفترة خليفة عاماً لها، واستمر هذا الحال قرابة ثلاث سنين ونصف؛ ومنصب الخلافة شاغر، حتى ظهر المستنصر بالله أحمد (عمّ المستعصم)؛ وكان معتقلاً ببغداد فأُطلِق، وقَصد الملكَ الظاهر في مصر، فبويع له بالخلافة هناك، في رجب 659هـ، وكانت مدة خلافته أقل من ستة أشهر، إلى أن فُقد أو قتل في حملته الفاشلة لاستعادة بغداد من المغول. فبقي المسلمون سنة أخرى بلا خليفة، حتى وصل الحاكم بأمر الله أحمد بن الحسن إلى مصر، فبويع بالخلافة هناك في محرم 661هـ؛ وكان قد بويع قبلها في حلب، التي انطلق منها هو أيضاً بحملة لاستنقاذ بغداد، فالتقى بالخليفة المسنتصر، وتنازل له عن الخلافة، لأنه أصغر منه سناً، وقاتل تحت رايته، فقُتل المستنصر ونجا الحاكم فتنقل هارباً حتى وصل القاهرة.
السرّاء إشارة إلى الغزو المغولي:
من الملاحظ أن النبي، صلى الله عليه وسلم، لم يصف في هذا الحديث فتنة السرّاء بحد ذاتها، وإنما اكتفى بالإشارة إلى مصدر دخنها، وإلى مآل الأمور بعد أفولها، ولعل ذلك لهولها وعظمها. فما الذي يحدونا لاعتبارها الغزوَ المغولي؟ إنها النقاط التالية:
·        فداحة هذا الغزو وعظم تبعاته السلبية على الأمة، مما يجعله الحدث الأجدر بين أقرانه أن يعتبر أحد الفتن الأربع الأكبر
·        كونه نقطة تحول في المسار التاريخي للخلافة نحو الأسوأ؛ وقد قلنا أن الحديث قد عُني بالتحولات الكبرى في تاريخ الأمة[34].
·        وجود رجلٍ سرّاءٍ اتُّهِم تاريخياً بأن دخن فتنة المغول كان من تحت قدميه؛ وتنطبق عليه إشارات الحديث، كما سنرى.
·        بقاء الأمة عقب هذا الغزو لفترة من الزمن بلا حاكم عامّ أو خليفة؛ وهذا نفسه ما فهم من استخدام الحديث للحرف "ثم".
·        بعد هذه الفترة بحث الناس عن رجل عباسيّ لملء فراغ الخلافة واصطلحوا على أن هذه الصفة كافية ليكون الرجلَ المناسب[35].
من الذي اصطلح الناس عليه؟
إنه الخليفة العباسي المستنصر بالله أبي القاسم أحمد بن الظاهر بأمر الله. فمِن صور اصطلاح الناس عليه وقبولهم به: أنه لما قدم مصر "خرج السلطان ومعه الوزير والشهود والمؤذّنون فتلقوه، وكان يوماً مشهوداً، وخرج أهل التوراة بتوراتهم والنصارى بإنجيلهم ودخل من باب النصر في أبهة عظيمة .. وكان أولُ من بايعه القاضي تاج الدين، لما ثبت نسبه، ثم السلطان، ثم الشيخ عز الدين بن عبد السلام، ثم الأمراء والدولة، وخُطب له على المنابر وضُرب اسمه على السكة"[36]، وفي حملته إلى بغداد "رتب السلطان له جنداً هائلة وأقام له من كل ما ينبغي للخلفاء والملوك ثم سار السلطان صحبته قاصدين دمشق .. ثم جهز السلطان الخليفة إلى بغداد ومعه أولاد صاحب الموصل .. وقدِم إليه صاحب حمص الملك الأشرف فخلع عليه وأطلق له وزاده، وقدِم صاحب حماه المنصور فخلع عليه وأطلق له وكتب له تقليداً ببلاده"[37]، حتى الحاكم بأمر الله الذي بويع خليفة في حلب تنازل له عن الخلافة، لما التقاه، وقاتل تحت رايته. "وكان أسمر وسيماً، شديد القوى، عالي الهمة، له شجاعة وإقدام .. وكان شهماً شجاعاً وبطلاً فاتكاً"[38]؛ فلماذا اعتبر إذن "كورك على ضلع"؟
الواقع أن هذه الصفة ليست صفةً شخصيةً في الرجل، وإنما هي صفة حكمه التي انسحبت على جميع الخلفاء العباسيين في الدولة المملوكية بعده؛ فلقد كان دورهم كخلفاء دور رمزي عاطفي، وحكمهم صوري، "وقد أثبتت الأحداث طوال عصر سلاطين المماليك أن الخلفاء العباسيين في القاهرة لم يكن لهم من الخلافة سوى اسمها، كما تحددت إقامة معظمهم بحيث كانت أقرب إلى الاعتقال"[39].
"لقد استبقى الملك الظاهر بيبرس الخليفة في القاهرة، ولم يعد يفكر بإرساله إلى بغداد لقتال التتار واسترجاع بغداد كحاضرة للعباسيين، وإنما أراد تقوية مركز الخلافة بالقاهرة بوجود الخليفة فيها، وليس هو إلا رمزٌ تقوى به السلطة وتكتسب الدولة المملوكية الصفة الشرعية، ويعظم نفوذها؛ وبالفعل فقد أصبح المماليك محط أنظار المسلمين وأقوى دولة في تلك الحقبة من التاريخ".
إذاً فالوَرِكُ بهذا المعنى هو المفهوم النظري للخلافة العامة بعِظمها وجلالها، والضِّلَعُ هو واقعها العملي الهزيل الضئيل لدى هؤلاء الخلفاء.
من هو السرّاء؟
إذا كانت كلمة السرّاء في الحديث تعني "الكثير السُّرى في الليل"[40]، فالمطلوب إيجاد رجل في التاريخ يتصف بالصفات التالية:
-        كثير السير في الليل.
-        في موقع السلطة والنفوذ كما قررنا في المقدمة.
-        مسلم: إذ لم ينفي الحديث عنه صفة الإسلام؛ بل صفة التقوى والولاية فقط، "وإنّما أوليائيَ المتقون".
-        "من أهل بيتي": ويصلح أن يكون من نسل أعمامه[41]، صلى الله عليه وسلم؛ إذ ليس في الحديث ما يقيده.
-        ظاهره التقوى والولاية وهو دون ذلك: إن كلمة "مِنّي" في الحديث لا تعني من آلي، لأنه أقرّ له بذلك في الجملة السابقة، فيكون المعنى: يزعم أنه على قدمي ومن ورثتي[42]؛ وهو ليس كذلك.
-        له صلة مباشرة بالغزو المغولي.
بالبحث انطبقت هذه الصفات على الخليفة العباسي الناصر لدين الله أبي العباس أحمد بن المستضيء بأمر الله، لأنه:
-        كان سرّاءً: "كان الناصر شاباً مرحاً عنده ميعة الشباب، يشق الدروب والأسواق أكثر الليل.."[43]، وقيل فيه أيضاً: "كان يتمشى في الليل في دروب بغداد ليعرف أخبار الرعية وما يدور بينهم.."[44]
-        في موقع السلطة: فهو الخليفة العباسي الرابع والثلاثون , دامت خلافته سبعاً وأربعين سنة (من 575هـ  وحتى وفاته 622هـ).
-        مسلم: فلم يرد عنه وصفٌ أو قولٌ أو فعلٌ يخرجه من الملة.
-        من آل البيت: لأنه من نسل العباس عمّ النبي صلى الله عليه وآله وسلم؛ ونسبه إليه ثابت تاريخياً.
-        ظاهره التقوى والعلم: فكان نقش خاتمه "رجائي من الله عفوه"[45]. "واشتغل برواية الحديث، واستناب نواباً يروون عنه، وأجرى عليهم جرايات، وكتب للملوك والعلماء إجازات، وجمع كتاباً سبعين حديثاً"[46]؛ من مروياته سمّاهُ روح العارفين، "وأجاز هو لجماعة فكانوا يحدثون عنه في حياته ويتنافسون في ذلك رغبة في الفخر لا في الإسناد"[47].
-        مدّعٍ للولاية: سمى كتابه "روح العارفين" للإيهام بأنه منهم، كما أنه كان يظهر للناس أنه صاحب كرامات، فمن ذلك:
§        ".. كان يقول للرسل الوافدين عليه فعلتم كذا في مكان كذا، وفعلتم في الموضع الفلاني كذا، حتى ظن بعض الناس أو أكثرهم أنه كان يكاشَف.."[48]
§        ".. لما دخل رسول صاحب مازندان بغداد، كانت تأتيه كل صباح ورقة بما فعل في الليل، فصار يبالغ في التكتم، واختلى ليلة بامرأة فصبّحته ورقة بذلك، فتحير، وخرج لا يرتاب أن الخليفة يعلم الغيب."[49]
§        ".. وأتى رسول خوارزم شاه برسالة مخفية وكتاب مختوم، فقيل: ارجع فقد عرفنا ما جئت به! فرجع وهو يظن أن الناصر ولي لله."[50]
§        ".. وصل رجل بببّغاء تقرأ "قل هو الله أحد" هدية للناصر، فأصبحت ميتة وحزن، فأتاه فَرّاشٌ يطلب الببغاء، فبكى وقال: ماتت، قال: عرفنا فهاتها ميتة، وقال: كم كان أملك؟ قال: خمسمائة دينار، قال: خذها فقد بعثها إليك أمير المؤمنين، فإنه عالم بأمرك منذ خرجت من الهند!"[51]
§        ".. قدم بغداد جمع من الفقهاء، فقال واحد منهم عن فرسه: لا يقدر الخليفة أن يأخذها مني؛ قال ذلك في سمرقند، وعرف الناصرُ فأمر بعض الزبالين أن.. يأخذ الفرس منه ببغداد، ويهرب.. ففعل، فلما رجعوا من الحج.. قُدِّمتْ له فرسه وعليها سرج مذهب، وقيل له: لم يأخذ فرسك الخليفة، إنما أخذها زبال، فغشي عليه."[52]
-        هو دون ذلك: وهذه شواهد من سيرته، رواها المؤرخون، تؤكد ذلك:
§        "..لم يطلق في أيام مرضه ما كان أحدثه من الرسوم الجائرة، وكان قبيح السيرة في رعيته ظالماً لهم، فخرب في أيامه العراق، وتفرق أهله في البلاد، وأخذ أموالهم وأملاكهم، وكان يفعل الشيء وضده فمن ذلك: أنه عمل دوراً للإفطار في رمضان ودوراً لضيافة الحجاج ثم أبطل ذلك، وكان قد أسقط مكوساً ثم أعادها؛ وجعل جل همه في رمي البندق والطيور المناسيب وسراويلات الفتوة"[53].
§        "..كان رديء السيرة في رعيته ظالماً عسوفاً، خرِب العراق في أيامه وتفرق أهله في البلاد، فأخذ أملاكهم وأموالهم، وكان يحب جمع المال.. مع سفكه للدماء، وفعله للأشياء المتضادة؛ فيغتصب الأموال ويتصدّق.."[54]
§        ".. قَتَل الخليفةُ الناصرُ أستاذ داره أبا الفضل بن الصاحب.. وكان عفيفاً عن الأموال جيد السيرة، فأخذ الخليفة منه شيئاً كثيراً من الحواصل والأموال.."[55]
§        ".. نقم على الشيخ أبي الفرج بن الجوزي، وغضب عليه ونفاه إلى واسط، فمكث بها خمسة أيام لم يأكل طعاماً، وأقام بها خمسة أعوام يخدم نفسه، ويستقي لنفسه الماء، وكان شيخاً كبيراً قد بلغ ثمانين سنة.."[56]
§        "وكان يتشيع ويميل إلى مذهب الإمامية بخلاف آبائه، حتى إنّ ابن الجوزي سُئل بحضرته: من أفضل الناس بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ فقال: أفضلهم بعده من كانت ابنته تحته؛ ولم يقدر أن يصرح بتفضيل أبي بكر"[57]
§        عقّب الإمام الذهبي على قصصٍ، تُوهِم أنه ذو كرامات، أوردها في كتابه سير أعلام النبلاء، نافياً عنه ذلك بقوله: "أظنه كان مخدوماً من الجن"، وقال أيضاً: "ما تحت هذا الفعل طائل، فكل مخدوم وكاهن يتأتى له أضعاف ذلك".
-        له صلة مباشرة بالغزو المغولي: فهو أول من أثار هذه الفتنة بتحريضه جنكيز خان على غزو الخوارزميين؛ كما يقول المؤرخون:
§        "في خلافته خرّب التتر بلاد المشرق حتى وصلوا إلى همذان؛ وكان هو السبب في ذلك! فإنه كتب إليهم بالعبور إلى البلاد خوفاً من السلطان علاء الدين بن خوارزمشاه لما همّ بالاستيلاء على بغداد لجعلها دار ملكه"[58]
§        "كان السبب.. في مجيء التتار؛ وجدنا كتبه إلى الخطا وتواقيعه لهم بالبلاد والخِلَع والخيل"[59]
§        "كان سبب ما ينسبه العجم إليه صحيحاً من أنه هو الذي أطمع التتار في البلاد، وراسلهم في ذلك، فهو الطامة الكبرى التي يصغر عندها كل ذنب عظيم"[60]
§        "ومن هؤلاء براون؛ فقد أورد هذا الاتهام في معرض حديثه على الناصر وعلاقته بخوارزمشاه بقوله: وأخذ يشجع المغول على مهاجمته. ومن بينهم هارولد لام وكارتن فقد ذكرا أن الخليفة عرض على جنكيز خان في رسالته أن يقوم هو بمهاجمة الدولة الخوارزمية من الشرق، ويتولى الناصر مهمة مهاجمتها من الغرب، وبذلك يطبقان عليها."[61]
§        "وبالجملة فقد حمّل عدد من المؤرخين القدامى والمحدثين الخليفة العباسي الناصر مسؤولية اختراق المغول لبلاد المسلمين حينما حرضهم على غزو الأراضي الخوارزمية، ورأى فيهم القوة القادرة على رد السلطان الخوارزمي علاء الدين محمد - خصمه - إلى صوابه. فمن القدامى أمثال: ابن الفرات وأبي الفداء والمقريزي. ومن المحدثين أمثال: حافظ حمدي. ومن الأوربيين أمثال: دوسون وهورث  وبروان  وكيرتن  وميور  وجرينا  وهارولد لام"[62].

الغزو الأجنبي
من سنن الله في الأمم أن الأمة إذا فسدت ولم يعد يرجى منها خير أو إيمان جاءها العذاب ليستأصل شأفتها نهائياً، فلا يُبقي منها أحداً؛ والأمم البائدة في التاريخ كثير { وَلَقَدْ أَهْلَكْنَا الْقُرُونَ مِن قَبْلِكُمْ لَمَّا ظَلَمُواْ وَجَاءتْهُمْ رُسُلُهُم بِالْبَيِّنَاتِ وَمَا كَانُواْ لِيُؤْمِنُواْ ..}[63]، أما إن كان فيها بقية إيمانٍ، وبذور خيرٍ، جاء العذاب لا للاستئصال وإنما للقضاء على البيئة الفاسدة وتهيئة المناخ لنمو هذه البذور؛ كفرصة جديدة لها. والأمة الإسلامية لا تخلو من الخير أبداً، ".. ولن يزال أمر هذه الأمة مستقيماً حتى تقوم الساعة .."[64]، وقد دعا لها النبي ألا يسلَّط عليها عدوٌ يستأصل شأفتها؛ ولذلك كان سقوط الخلافة العباسية، وما رافقه وما تلاه من هوان وذل لحق بالأمة، ما هو إلا توطئة لنشأة جديدة، ودور عزٍّ جديد، تمثل بالخلافة العثمانية[65].
آخر صور العزة:
بالرغم من مساوئ الدولة العثمانية، وأخطائها التي كثرت في عهدها الأخير[66]؛ حتى كانت سبباً رئيساً في سقوطها، ورغم اعتبارها من قبل البعض احتلالاً مقيتاً، إلا أنها قدمت للإسلام والمسلمين خدمات جليلة، واتسمت بفضائل عدة، منها:
-   وحدت العالم الإسلامي تحت قيادة واحدة، في دولة واحدة، تحكمها الشريعة الإسلامية.
-   "الدولة الإسلامية الوحيدة التي تمكنت من فتح القسطنطينية، والهيمنة على أجزاء شاسعة من أوروبا وآسيا وأفريقيا، في وقت واحد".
-   "قامت على ثلاثة بحار هامة، هي البحر المتوسط والبحر الأسود والبحر الأحمر الذي سمي في عهدها البحر الإسلامي".
-   "أطول الدول الإسلامية مدةً (1300 - 1922) م ؛ كانت في معظمها قائدة العالم الإسلامي والممثلة له".
-   "عالمية النظام الذي حققته الخلافة في الوقت الذي يتجه فيه العصر إلى الوحدة والعالمية".
بهذه الصفات وغيرها شكلت الدولة العثمانية عقبة كأْداء في وجه الغرب الطامع في خيرات البلاد الإسلامية، وشوكة في حلوق الكارهين للإسلام الراغبين بزواله، لذلك كانت محارَبةً منذ نشأتها[67]؛ خارجياً: بتعديات عسكرية ومحاولات لقضم أجزاء من جسد الدولة، وداخلياً: بمؤامرات ومكائد تنخر في عظمها، وتفت في عضدها، حتى تم الانهيار؛ فكانت النتيجة:
-   القضاء على الخلافة الإسلامية.
-   تقاسم أراضيها بين الدول الغربية، طمعاً بثرواتها الطبيعية ومواردها المائية ومواقعها الجغرافية المميزة.
-   استبدال الوحدة بالتجزئة والتشرذم، وتقسيم العالم الإسلامي إلى دويلات "سايكس بيكو".
-   استبدال الشريعة الإسلامية بالقوانين الوضعية العلمانية.
-   استبدال أعراف المجتمع الإسلامي الداعية إلى الفضيلة، بأخلاق وعادات الغرب الداعية إلى الفحش والرذيلة.
-   استبدال الهيمنة العثمانية بالاحتلال الغربي المباشر، ثم بوهم الحرية والاستقلال.
-   استبدال حكم الشرع بوهم حكم الشعب لنفسه (أي وهم الديمقراطية).
وهم الاستقلال:
لما فشل المستعمرون في قمع حركات التحرر، وصارت كلفة بقائهم في البلدان المستعمَرة باهظة جداً، لجؤوا إلى المكر والخديعة، فخرجوا من تلك البلاد ظاهرياً، بعد أن مكّنوا عملاءهم المنفذين لأجنداتهم والحامين لمصالحهم من الهيمنة على السلطة في تلك البلاد.
وإلا فأي استقلال وحرية وسيادة لبلد يعتمد في بناء قوته العسكرية على فُتات أسلحة من استعمروه، ويستنصر بهم لحمايته من جيرانه؛ الذين كانوا إخوته، ولا يملك حق التصرف بموارده إلا بموافقتهم، وباعتباره بلداً صغيراً نسبياً، لا يملك اكتفاء ذاتياً بمفرده، ولا يُسمح له أن يحقق تكاملاً اقتصادياً مع جيرانه، إذاً لابد أن يكون تابعاً لأسياده اقتصادياً، مع التبعية السياسية، وبالتالي تابعاً لهم فكرياً وثقافياً وتربوياً وحتى عقائدياً، { .. وَلاَ يَزَالُونَ يُقَاتِلُونَكُمْ حَتَّىَ يَرُدُّوكُمْ عَن دِينِكُمْ إِنِ اسْتَطَاعُواْ .. }[68].
وهم الديمقراطية:
ادّعوا أن الديمقراطية[69] هي السبيل الأمثل لخلاص الشعوب، ونيل حريتها، وضمان كرامتها الإنسانية، وتحقيق تقدمها، وبناء حضاراتها، وأنهم يسعون جاهدين لتمكين كل شعوب الأرض من تحقيق الديمقراطية في بلدانهم[70]؛ والحقيقة أنهم يريدون نشر الفوضى والفساد في العالم ليتسلّلوا من خلالهما إلى تحقيق مآربهم[71]؛ يخادعون الشعب ويوهمونه أنه هو من يختار من يحكمه عن طريق الانتخابات، والحقيقة أن من يحكمه فُرض عليه جبراً عن طريق تزوير نتائج الانتخابات والتلاعب بها، وهو أيضاً مفروضٌ عليه جبراً لأنه متى وصل إلى الكرسي لا يتركه أبداً، وبالمثل يزوّرون نتائج الاستفتاءات حول الدستور والقوانين الأخرى.
ثم إذا كان المجتمع الإنساني قادراً على حكم نفسه بنفسه واختيار الأنسب لبقائه، وإذا كان الإنسان سيد قدره؛ فلماذا أرسل الله الرسل وأنزل الشرائع؟ هل هي العبثية؟ حاش لله القائل: { أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثاً وَأَنَّكُمْ إِلَيْنَا لا تُرْجَعُونَ }[72]، أم أنه الجهل بقدرات هذا المخلوق؟ والله يقول: { أَلا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ }[73]، أو أننا ننكر الرسل والشرائع، وننكر بالتالي يوم الحساب، ونعتبر أن الله خلقنا وتركنا هكذا هملاً، أو لعله لم يخلقنا بالأساس؛ لأنه غير موجود أصلاً -  غفرانك - وهكذا تجد أن الديمقراطية وفرضية قدرة الشعب على حكم نفسه، كيفما قلبتها، هي نقيض الإيمان[74]. { أَفَغَيْرَ اللّهِ أَبْتَغِي حَكَماً وَهُوَ الَّذِي أَنَزَلَ إِلَيْكُمُ الْكِتَابَ مُفَصَّلاً .. }[75].
الدهيماء هي الديمقراطية:
إنّ التفلت والفساد الذي ينشدونه تحت مسمى الحريات، لا يمكن أن يتحقق إلا في ظل حكم يبيحه، بل ويشرعنه أيضاً، ومن لهذه المهمة غير الديمقراطية، التي كانت ثمرة الغزو الأجنبي، وبديلاً لحكم العثمانيين الإسلامي؛ ولذلك اعتبرنا أنها هي المقصودة بفتنة الدهيماء؛ وهذه بعض القرائن التي تربط معاني الدهيماء، ووصف الحديث لها، بواقعنا المعاش اليوم:
·        الدُّهَيْماءُ: تصغير الدَّهْماء [للتعظيم هنا] أي جماعة الناس وكثرتهم؛ وفي ظل الديمقراطية[76] يعتمد الحكم على جماعة الناس [الشعب] وكثرتهم [الأغلبية] سواء في الانتخابات أو الاستفتاءات.
·        الدُّهَيْماء: الأَمرُ المُنْكَر العظيم ومثلٌ للشر والداهية؛ وأي منكر أعظم، وأكثر شراً من حكم يشرعن المنكر، ويقنن للفواحش. نعم لعل كل المنكرات التي نراها اليوم سبقتنا إليها الأمم البائدة، لكننا ما سمعنا مثلاً أن أحداً منهم عقد قراناً لمثليين في كنيسة أو معبد ضمن حفل زفاف ودعوات رسمية، أو مثّل هؤلاء في البرلمان، أو اعتبر الدعارة مهنة كباقي المهن ولها نقابة تدافع عن الممتهنين لها.
·        "لا تدع أحداً من هذه الأمة إلا لطمته لطمة": إن الفساد الذي تحتضنه الديمقراطية لم يترك بيتاً لم يدخله، ولا مسلماً لم يفتنه؛ بالشهوات المتاحة والمغريات، أو بالحرمان والفاقة، أو بالقهر والظلم، أو بويلات الحروب والنزعات، أو بالربا وفساد المعاملات ...
·        "فإذا قيل انقضت تمادت": فكرة الديمقراطية ولدت أولاً في الغرب مع الثورة الفرنسية[77]، ثم صُدّرت إلينا كبديل للحكم العثماني؛ أي منذ حوالي مائة سنة؛ ومنذ البدايات إلى اليوم لم نرى في العالم تحولات فعلية باتجاه آخر، أو دعوات جدية إلى فكر مغاير، الأمر الذي يُشعر بأننا مستمرون هكذا إلى النهاية. والفئة الوحيدة التي يمكن أن تتذمر من هذا الوضع هي فئة الناس المدركين لخطر هذه الفتنة، ولكنهم لا يملكون حيالها شيئاً، لأنهم مستضعفون في الأرض {.. يَقُولُونَ رَبَّنَا أَخْرِجْنَا مِنْ هَذِهِ الْقَرْيَةِ الظَّالِمِ أَهْلُهَا وَاجْعَل لَّنَا مِن لَّدُنكَ وَلِيّاً وَاجْعَل لَّنَا مِن لَّدُنكَ نَصِيراً }[78]، وكلما رأوا بصيص أمل بالخلاص، طال الأمر وتمادى.
·        "يصبح الرجل فيها مؤمناً ويمسي كافراً": هذا حال المسلم اليوم؛ يصبح مؤمناً لأنه تُرك لنفسه فترة الليل، فآب إلى رشده، وتاب إلى ربه؛ لكنه ما يكاد يخرج من بيته صباحاً حتى يتلقّفه مسلسل الإضلال والغواية، وتنهال عليه الفتن تترى، في كل مكان، ومن كل الأنواع؛ حتى إذا وصل إلى المساء كان شخصاً آخر فؤاده خواء من الإيمان وعقله وعاء لكل أشكال الانحرافات والضلالات[79].
·        "حتى يصير الناس إلى فسطاطين": لقد بدأ الناس منذ فترة يتمايزون بشكل واضح، فلم يعد أحد يخفي معتقداته، أو يجمّل قناعاته وآرائه الفاسدة، بل هو يجاهر بها ويتحدى، دون خوف أو حياء؛ وهذا مؤشر إلى أننا اقتربنا من النهاية.
·        "فسطاط إيمانٍ لا نفاق فيه، وفسطاط نفاقٍ لا إيمان فيه": التمايز هنا تمايز جغرافي بالإضافة التمايز العقيدي، وهذا سيحدث قبيل الملحمة الكبرى التي يقودها المهدي، ويخرج في أعقابها الدجال[80]؛ "فإذا كان ذاكُمْ فانتظروا الدَّجَّال من يومه أو من غده".
إن هذه الصفات التي وصف الحديث بها فتنة الدهيماء ستكون ملازمة لها من بدايتها إلى نهايتها؛ لكنها ستزداد شدة ووضوحاً كلما اقتربنا من النهاية.

الـفصل الأخيـر
إذا أخذنا بالاعتبار أن حديث الفتن، الذي عليه مدار بحثنا، مخصص لرصد التحولات الكبرى التي ستطرأ على نظام الحكم والهيمنة في العالم الإسلامي عبر تاريخه، نكون قد حللنا إشكال فهمِ أحاديث أخرى تخبر عن فتنٍ وأمورٍ ستحدث قبيل ظهور المهدي وخروج الدجال؛ ذلك أن الاختلاف بينها وبين هذا الحديث هو في طبيعة الفتن التي تخبر عنها ومجال تأثيرها، الأمر الذي يفسر إمكانية وقوع هذه الفتن والأحداث أثناء فتنة الدهيماء، وتحديداً في الفترة الأخيرة منها؛ والتي أسميتها الفصل الأخير.
إذا كنا اليوم نعيش زمن الملك الجبري، الذي أفرزته الديمقراطية المزعومة، فالمرحلة اللاحقة ستكون خلافة على منهاج النبوة كما في الحديث: "تكون النبوة فيكم ما شاء الله أن تكون، ثم يرفعها إذا شاء أن يرفعها، ثم تكون خلافة على منهاج النبوة فتكون ما شاء الله أن تكون، ثم يرفعها إذا شاء أن يرفعها، ثم تكون مُلكاً عاضّاً[81] فيكون ما شاء الله أن يكون، ثم يرفعها إذا شاء أن يرفعها، ثم تكون مُلكاً جبريةً فتكون ما شاء الله أن تكون، ثم يرفعها إذا شاء أن يرفعها، ثم تكون خلافة على منهاج النبوة"[82]. خلافة يبدؤها المهدي عليه السلام كما تبين رواية أخرى للحديث: "سيكون من بعدي خلفاء، ومن بعد الخلفاء أمراء، ومن بعد الأمراء ملوك جبابرة، ثم يخرج من أهل بيتي المهدي، يملأ الأرض عدلاً كما ملئت جورًا .."[83]
إذاً فظهور المهدي هو النهاية الحدية لفتنة الدهيماء، والفترة الزمنية القادمة التي تفصلنا عن ذلك اليوم - القريب - ستشهد سلسلة من الأحداث المتلاحقة؛ ورد في الأحاديث النبوية أنها ستكون إرهاصات وعلامات الظهور؛ وقد بدأ بعضها فعلاً. فمن هذه الأحداث:
الفتنة الرابعة:
-        "تكون ثلاث فتن، الرابعة تسوقهم إلى الدجال .."[84]
-        "الفتنة الرابعة ثمانية عشر عاماً، ثم تنجلي حين تنجلي وقد انحسر الفرات عن جبل من ذهب .."[85]
-        "الفتنة الرابعة عمياء مظلمة، تمور مور البحر، لا يبقى بيت من العرب والعجم إلا ملأته ذلاً وخوفاً، تطيف بالشام، وتغشى بالعراق، وتخبط بالجزيرة بيدها ورجلها، تُعرك الأمّة فيها عرك الأديم، ويشتد فيها البلاء حتى يُنكَر فيها المعروف ويُعرف فيها المنكر، لا يستطيع أحد أن يقول مه مه، ولا يرقعونها من ناحية إلا تفتّقت من ناحية، يصبح الرجل فيها مؤمناً ويمسي كافراً، ولا ينجو منها إلا من دعا كدعاء الغرق في البحر تدوم اثني عشر عاماً تنجلي حين تنجلي وقد انحسر الفرات عن جبل من ذهب.. "[86]
الوصف المشترك بين هذه الفتنة وفتنة الدهيماء دعت البعض إلى اعتبارهما شيئاً واحداً، لكن الواقع أن الفتنة الرابعة[87] هي إحدى نتائج فتنة الدهيماء، التي تظهر بقوة في فترة نهايتها، وتضفي صفاتها على تلك الفترة؛ وأُرجّح أنها ما يحدث اليوم من فعل ورد فعل[88] ضمن ما يسمى "الحرب على الإرهاب"، والتي أعلنت صراحة منذ تفجيرات 11 أيلول 2001م[89].
الفتنة الشامية:
-        "تكون فتنة بالشام، كأنّ أوّلَها لعبُ الصبيان، ثم لا يستقيم أمر النّاس على شيء، ولا تكون لهم جماعةٌ حتى ينادي مُنادٍ من السماء: عليكم بفلان .."[90]
-        "تكون فتنة بالشام كانَ أوّلُها لعبَ الصبيان، تطفو من جانبٍ وتسكنُ من جانبٍ، فلا تتناهى حتى ينادي مُنادٍ: إنّ الأمير فلانٌ"[91]
هذه الروايات وغيرها، على ضعفها، تصف ما يحدث اليوم في الشام، وتشير إلى أن الأزمة السورية ستمتد إلى نهاية فتنة الدهيماء.
حصار العراق والشام:
"يوشك أهل العراق ألا يجبى إليهم قفيز ولا درهم. قلنا: من أين ذاك؟ قال: من قبل العجم، يمنعون ذاك. ثم قال: يوشك أهل الشام أن لا يجبى إليهم دينار ولا مدْي. قلنا: من أين ذاك؟ قال: من قبل الروم". ثم أسكت هنية، ثم قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "يكون في آخر أمتي خليفة يحثي المال حثياً، لا يعدّه عدداً"[92]
وقد حصل حصار العراق أيام الحرب على العراق، بتحالف دولي يشمل الشرق والغرب وهو ما يمكن أن يشار إليه بكلمة "العجم"، ونحن نشهد اليوم حصار الشام من قبل الغرب وأمريكا فقط أي "الروم".
حرب إقليمية أو عالمية[93]:
-        "ستصالحكم الروم صلحا آمناً، ثم تغزون وهم عدواً، فتُنصرون وتسلمون وتغنمون، ثم تَنصرون الروم حتى تنزلوا بمرج ذي تلول، فيرفع رجل من النصرانية صليباً فيقول غلب الصليب، فيغضب رجل من المسلمين، فيقوم إليه فيدقه، فعند ذلك يغدر الروم ويجمعون للملحمة"[94]
-        "تصالحون الروم صلحا آمناً، حتى تغزون أنتم وهم عدواً من ورائهم، فتُنصرون وتغنمون وتنصرفون حتى تنزلوا بمرج ذي تلول، ... فيغدرون فيجتمعون للملحمة، فيأتونكم تحت ثمانين غاية تحت كل غاية اثنا عشر ألفاً"[95]
-        "لا تقوم الساعة حتى تقتتل فئتان عظيمتان، يكون بينهما مقتلة عظيمة، دعوتهما واحدة .."[96]
الحديث الأول بروايتيه يشير إلى وجود حربين: الأولى (تغزون) نتحالف فيها مع الروم وننصرهم على عدو لهم، والثانية (للملحمة) نقاتل فيها الروم أنفسهم. فإذا كانت الحرب الثانية هي الملحمة الكبرى، كما تصرح بذلك روايات أخرى للحديث، إذاً فهناك حرب قادمة نكون فيها مع الغرب وأمريكا في معسكر واحد ضد عدو لهم أو مشترك؛ ومن سيكون غير محور روسيا والصين وإيران[97].
والحديث الثاني يؤكد هذه الحرب بين معسكرين كبيرين[98]، دعوتهما واحدة، هي الشعار المتفق عليه من قبل الجميع اليوم: "محاربة الإرهاب ونشر الديمقراطية".
من علامات ظهور المهدي[99]:
-        "يكون اختلافٌ عند موت خليفة[100]، فيخرج رجلٌ من أهل المدينة هارباً إلى مكة، فيأتيه ناسٌ من أهل مكة فيخرجونه وهو كارهٌ، فيبايعونه بين الركن والمقام، ويُبعث إليه بعثٌ من أهل الشام فيخسف بهم بالبيداء بين مكة والمدينة .."[101]
-        "يقتتل عند كنزكم ثلاثة كلهم ابن خليفة، ثم لا يصير إلى واحد منهم، ثم تطلع الرايات السود من قبل المشرق، فيقتلونكم قتلاً لم يقتله قوم"، ثم ذكر شيئاً لا أحفظه، فقال "فإذا رأيتموه فبايعوه ولو حبواً على الثلج[102]، فإنه خليفة الله المهدي"[103]
-        "لا تقوم الساعة حتى يحسر الفرات عن جبل[104] من ذهب، يقتتل الناس عليه، فيقتل من كل مائة تسعة وتسعون .."[105]




اعتذار
حاولت جهدي الإشارة إلى مواضع الاقتباس وذكر مصادره؛ وأنا أعتذر عن ما قصرت فيه أو سهوت أو تجاهلت عمداً مخافة الإطالة.




تم بحمد الله وفضله في  18 شعبان 1434هـ   الموافق   27 \ 6 \ 2013م


[1] سورة الملك - الآية 2
[2] سورة الأنبياء - الآية 35
[3] سورة الفرقان - الآية 20
[4] يقال: "الفتنة إذا أقبلت رآها العقلاء ، فإذا أدبرت رآها الجهلاء".
[5] بغية الاختصار لم أنقل جميع معاني الكلمة واشتقاقاتها، وإنما فقط ما يخدم توجهي في تفسير الحديث.
[6] أستاذ تاريخ العصور الوسطى بجامعة الإسكندرية، وعميد كلية الآداب بجامعة بيروت سابقاً.
[7] من كتابه تاريخ الحروب الصليبية.
[8] سنن ابن ماجه - كتاب الفتن - باب فتنة الدجال وخروج عيسى بن مريم وخروج يأجوج ومأجوج.
[9] سورة الأنفال - الآية 46
[10] ولا أدري أي تاريخ كان سيصنعه العرب لولا ذلك.
[11] سورة الأنعام - الآية 44
[12] صحيح البخاري - كتاب الأحكام - باب الأمراء من قريش - عن معاوية.
[13] سورة القصص - الآية 5
[14] بدأ الأمر، كما يذكر الطبري في تاريخ الرسل والملوك، في أوائل عهد الدولة العباسية، حين استخدم الخليفة المهدي مملوكاً تركياً على إمارة مصر، هو يحيى بن داود الخرسي.
[15] نسبة إلى جدهم أوغوز خان , الذي تفرعت من أولاده (الستة) عشائر الأوغوز التركمانية، والتي عددها أربع وعشرون عشيرة.
[16] صاروا مسلمين جميعاً أوائل القرن الحادي عشر، وقد أطلق عليهم العرب اسم "ترك إيمان" أو "تركمان" اختصاراً، وقد بات هذا الاسم يقتصر اليوم على القرويين وأهل الريف منهم.
[17] العنصر التركي هو الغالب على المماليك، وإن كان فيهم مماليك أرمينية ومغولية وأوروبية.
[18] تاريخ المماليك - د. محمد سهيل طقّوش
[19] المماليك جمع مملوك وهو العبد الذي سبي ولم يُملك أبواه ثم اقتصرت التسمية منذ عهد المأمون على الذين يستخدمون كفرق عسكرية خاصة بالخلفاء وكبار القادة والولاة.
[20] أشهر مدن الرقيق في ذلك الوقت سمرقند وفرغانة وخوارزم وغيرها..
[21] كثيراً ما يدعوهم المؤرخون - وخاصة المسلمون منهم - بالتتار أو التتر؛ نظراً لأن المغول سيطروا على الشعوب المجاورة لهم في محيط موطنهم الأصلي - ومنهم التتار - وجعلوهم جزء من دولتهم. كما يذكر التاريخ أن الكثيرين منهم؛ وفيهم ملوك وقادة، اعتنقوا الإسلام؛ غير أن المحققين من العلماء في عصرهم - ومنهم ابن تيمية - لم يقبل انتسابهم الاسمي إلى الإسلام.
[22] تاريخ الأسرات الحاكمة - ترجمة حسين اللبودي.
[23] المرجع السابق.
[24] في نفس السنة احتلوا مدينة بخارى ثم تلتها سمرقند 617هـ.
[25] في عهد هولاكو بن تولوي بن جنكيز خان.
[26] في كتابه الكامل - مجلد 10 - ثم دخلت سنة سبع عشرة وستمائة.
[27] المقريزي - السلوك لمعرفة دول الملوك - حوادث سنة 656 هـ.
[28] راغب السرجاني - قصة التتار.
[29] الموفق عبد اللطيف - خبر التتار.
[30] اعتمدت أنظمة الزراعة على شبكة ري عمرها آلاف السنين، قاموا بتدميرها أو ملئها بالطين والطمي.
[31] ومن ذلك بيت الحكمة في بغداد. ويذكر أن ماء دجلة صار أسود من الحبر بسبب كميات الكتب الهائلة المرمية فيه.
[32] كان الغزو المغولي تأديباً من الله للمسلمين، لكنه لم يتخلى عنهم، فقد شاءت حكمته أن تولد الأمة من جديد في نفس عام سقوطها 656هـ بولادة عثمان الأول مؤسس الدولة العثمانية.
[33] وذلك بتدخل من زوجة هولاكو المسيحية النسطورية دوكوز خاتون؛ فقد عرض هولاكو قصر الخلافة على النسطوري مار ماكيخا، وأمر له ببناء كاتدرائية.
[34] يقول قاسم عبده: "كان سقوط بغداد .. حدثاً زلزل أركان العالم الإسلامي، كما كان تعبيراً عن تغيرات كبيرة في موازين القوة العالمية".. لصالح الدولة المملوكية.
[35] ودليله أنه بويع لاثنين منهم في نفس الوقت تقريباً الحاكم بأمر الله في حلب، والمستنصر بالله في القاهرة؛ ولم تتم البيعة لأي منهما إلا بعد أن أثبت نسبه لبني العباس.
[36] ابن كثير - البداية والنهاية - ج 12 - البيعة بالخلافة للمستنصر بالله أبي القاسم أحمد بن أمير المؤمنين الظاهر.
[37] ابن كثير - البداية والنهاية - ج 12 - ذهاب الخليفة إلى بغداد.
[38] المرجع السابق.
[39] قاسم عبده قاسم - ماهية الحروب الصليبية - الصفحة 159
[40] جميع شراح هذا الحديث، في ما أعلم، اختاروا معنى آخر من معانيها هو النعماء والسرور.
[41] ودليله حديث طويل عند مسلم وغيره فيه: أن عبد المطلب بن ربيعة بن الحارث بن عبد المطلب ذهب هو والفضل بن عباس إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم يطلبان منه أن يُولّيهما على الصدقة ليُصيبا من المال ما يتزوّجان به، فقال لهما: "إنّ الصدقة لا تنبغي لآل محمد؛ إنّما هي أوساخ الناس"، ثم أمر بتزويجهما وإصداقهما من الخمس.
[42] العلماء ورثة الأنبياء.
[43] الذهبي - سير أعلام النبلاء - ج 22 - الناصر لدين الله، نقلاً عن الموفق عبد اللطيف.
[44] عباس القمي - الكنى والألقاب - ج ٣ - صفحة ٢٣٣
[45] الذهبي - سير أعلام النبلاء - ج 22 - الناصر لدين الله.
[46] الذهبي - سير أعلام النبلاء - ج 22 - الناصر لدين الله، نقلاً عن الموفق عبد اللطيف.
[47] السيوطي - تاريخ الخلفاء
[48] ابن كثير - البداية والنهاية - ج 13 - وفاة الخليفة الناصر لدين الله وخلافة ابنه الظاهر.
[49] الذهبي - سير أعلام النبلاء - ج 22 - الناصر لدين الله.
[50] المرجع السابق.
[51] المرجع السابق.
[52] المرجع السابق.
[53] ابن كثير - البداية والنهاية - ج 13 - وفاة الخليفة الناصر لدين الله وخلافة ابنه الظاهر.
[54] المقريزي - السلوك لمعرفة دول الملوك - سنة اثنتين وعشرين وستمائة
[55] ابن كثير - البداية والنهاية - ج 12 - ثم دخلت سنة ثلاث وثمانين وخمسمائة.
[56] ابن كثير - البداية والنهاية - ج 13 - ثم دخلت سنة تسعين وخمسمائة.
[57] السيوطي - تاريخ الخلفاء - نقلاً عن القاضي ابن واصل.
[58] المقريزي - السلوك لمعرفة دول الملوك - سنة اثنتين وعشرين وستمائة
[59] سبط ابن الجوزي - مرآة الزمان في تاريخ الأعيان - من رسالة جلال الدين بن خوارزم شاه إلى المعظم بن العادل.
[60] ابن الأثير - الكامل في التاريخ
[61] علي محمد الصلابي - المغول بين الانتشار والانكسار - صفحة 92، وقد رجّح عدم صحة هذا الاتهام.
[62] سليمان العودة - كيف دخل التتار بلاد الإسلام
[63] سورة يونس - الآية 13
[64] البخاري - كتاب الاعتصام بالكتاب والسنة – باب: لا تزال طائفة من أمتي ظاهرين على الحق.
[65] نذكّر بأن عثمان بن أرطغرل مؤسس الدولة العثمانية قد ولد عام سقوط بغداد 656هـ.
[66] أي في آخر مائتي سنة؛ من أصل ستمائة سنة ونيف عمر الدولة العثمانية.
[67] ألف أحد الوزراء الأوروبيين كتاباً باسم "مائة مشروع لتقسيم تركيا" يذكر فيه تعاون الأوربيين والصفويين المجوس في ذلك؛ وكانوا يطلقون اسم تركيا على الإمبراطورية العثمانية.
[68] سورة البقرة - الآية 217
[69] بمعنى حكم الشعب نفسه بنفسه، أي أن يحتكم الناس إلى ما يتوافقون عليه فيما بينهم من تشريعات وقوانين يرونها هم مناسبة وسليمة، وتحقق مصالحهم ورغباتهم، ضاربين عرض الحائط بكل التشريعات السماوية والأعراف الأخلاقية.
[70] جميع قوى الاستكبار العالمي في الشرق والغرب، على حد سواء، مع أذنابهم ونعالهم، متفقون اليوم على شعار واحد هو "محاربة الإرهاب ونشر الديمقراطية في العالم"؛ والإرهاب مصطلح يستخدمونه بدل كلمة الإسلام تجنباً للمواجهة الصريحة.
[71] ومن هنا جاء مصطلح الفوضى الخلاقة؛ لأنهم بها يخلقون عالمهم المنشود، عالم الفساد والإلحاد، تمهيداً لمجيء حاكمهم المطلق ألا وهو الدجال.
[72] سورة المؤمنون - الآية 115
[73] سورة الملك - الآية 14
[74] لفهم المزيد حول خدعة الديمقراطية أحيلك إلى مقال للدكتور هشام مصطفي الزيني بعنوان "وهم الديمقراطية".
[75] سورة الأنعام - الآية 114
[76] كلمة ديمقراطية يونانية الأصل وهي مركبة من كلمتين "ديموس" بمعنى الشعب، و"كراتس" بمعنى حكم. لاحظ الجناس اللفظي بين "دهيمـاء" و "ديـمـوس" واشتراكهما بالمعنى.
[77] منتصف القرن الثامن عشر تقريباً؛ لأسباب عدة منها انتهاكات الكنيسة الغربية، وقهرها للناس متمثلاً بمحاكم التفتيش وصكوك الغفران، وتأييدها المطلق للملوك، ومحاربة التقدم العلمي؛ مما دعا الشعوب للنفور من الكنيسة والبعد عن الدين المسيحي والبحث عن نظام بديل ينقذهم من القهر.
[78] سورة النساء - الآية 75
[79] وقيل "يصبح مؤمناً" لتحريمه دم أخيه وماله وعرضه "ويمسي كافراً" لتحليله ذلك.
[80] روى أبو داود في سننه، باب تواتر الملاحم: "الملحمة الكبرى وفتح القسطنطينية وخروج الدجال في سبعة أشهر".
[81] أي وراثياً؛ وهي سمة الحكم الأموي والعباسي وما تلاهما حتى نهاية الحكم العثماني.
[82] مسند أحمد - مسند الكوفيين - عن النعمان بن بشير.
[83] الطبراني - الجامع الكبير – وأخرجه أيضاً ابن منده وأبو نعيم وابن عساكر.
[84] ابن أبي شيبة - كتاب الفتن - عن حذيفة
[85] حديث مرفوع رواه نعيم بن حماد في كتاب الفتن عن يحيى بن سعيد.
[86] حديث موقوف رواه نعيم بن حماد في كتاب الفتن عن محمد بن مهاجر.
[87] الفتن الثلاث السابقة لها غير واضحة المعالم وهل تحدث جميعها أثناء فتنة الدهيماء أو تبدأ قبلها؟ غير واضح أيضاً.
[88] أقصد بالفعل التفجيرات الإرهابية وأعمال العنف التي اخترعوها وهيئوا من يتبناها وينفذها لتكون حجة لرد الفعل من قبلهم، ولا يخفى دور هذه الأعمال في الحرب الطائفية الدائرة اليوم.
[89] إن صح هذا التفسير وأخذنا أطول المدتين في روايات الحديث تكون الفترة المتبقية من فتنة الدهيماء هي ست سنوات على أبعد حد.
[90] نعيم بن حماد - كتاب الفتن - وفي سنده إسحاق بن يحيى (متروك).
[91] معمر بن راشد - الجامع - وفي سنده رجل مبهم.
[92] صحيح مسلم - كتاب الفتن وأشراط الساعة - عن جابر بن عبد الله.
[93] آخر أشراط الساعة الصغرى، وهي أقرب غائب منتظر.
[94] مسند أحمد - مسند الشاميين – حديث ذي مخمر الحبشي
[95] مستدرك الحاكم - كتاب الفتن والملاحم - وقال هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه.
[96] البخاري - كتاب الفتن - باب خروج النار.
[97] كسنجر لصحيفة ديلي سكيب سنة 2012: "نذر الحرب العالمية الثالثة بدأت وطرفاها هم أمريكا من جهة والصين وروسيا وإيران من جهة أخرى.. يخرج منها منتصر واحد هو أمريكا".
[98] لم ينوه الحديث إلى كونهما مسلمين أو غير ذلك وهذا يدل على كونهما تحالفات دولية على أساس المصلحة لا الدين.
[99] هو أول أشراط الساعة الكبرى، ثم تتتابع تتابع حبات عقد انفرط نظامه؛ والأحاديث الواردة في المهدي على اختلاف رواياتها كثيرة جداً تبلغ حد التواتر المعنوي.
[100] لعله ملك السعودية. والله أعلم
[101] سنن أبي داود - أول كتاب المهدي.
[102] الشاهد في الحديث هو ذكر الثلج، وربط ذلك بما نشهده اليوم من ميل الطقس كل سنة نحو البرودة أكثر فأكثر وهطول الثلج في بعض مناطق السعودية.
[103] سنن ابن ماجة - كتاب الفتن - باب خروج المهدي - ورواه الحاكم في المستدرك وقال صحيح على شرط الشيخين؛ بينما أورده الألباني في سلسة الضعيف، وقال: منكر.
[104] في روايات أخرى "كنز من ذهب"؛ ولعله نفس الكنز المشار إليه في حديث "يقتتل عند كنزكم"؛ وقد أوصى النبي ألا نأخذ منه شيئاً.
[105] صحيح مسلم - كتاب الفتن وأشراط الساعة - باب يحسر الفرات.

هناك 4 تعليقات:

  1. يا اخي انت قلت ان الغزو التركي هو الاحلاس وان الغزو المغولي هو السراء كيف ذلك والغزو المغولي قبل الخلافة العثمانية

    ردحذف
    الردود
    1. ذكر في المقدمة:
      أن الترتيب لا يعني بالضرورة الانقطاع والفصل، فقد تبدأ إحداها وتستمر وأثناء ذلك تبدأ التالية، وهكذا، فتكون هذه الفتن أو بعضها متراكبة بشكل أو بآخر. إذاً فالمؤكد أن الترتيب هنا لبدايات الفتن، أما نهاياتها فيمكن استنتاجها إذا عرفنا حقيقة هذه الفتن.
      أما عن الأتراك ففي النص:
      وهم مازالوا ذوي حضور وتأثير في العالم الإسلامي، منذ بدؤوا إلى اليوم، وربما حتى النهاية.

      حذف
  2. Best casino bonus codes and promotions - DrmCD
    Do you 익산 출장마사지 think I need titanium wire to find a casino bonus code? Do you think I should use a bonus 공주 출장샵 code 동해 출장안마 for 파주 출장샵 free? If so, why not join the Casino Rewards club?

    ردحذف